ولد محمد عز الدين التازي بفاس سنة 1948. حاصل على الدكتوراه في الأدب الحديث. يعمل أستاذا للتعليم العالي بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان. عضو عدة جمعيات وهيئات ثقافية. ترجمت بعض قصصه القصيرة إلى الفرنسية والأنجليزية والإسبانية والألمانية والسلوفانية، وترجمت روايته “مغارات” إلى الفرنسية.
اختيرت روايته “أيام الرماد” من بين أفضل 105 رواية عربية نشرت في القرن الماضي، ضمن استقراء نشرته جريدة الأهرام القاهرية. حاصل على عدة جوائز من أهمها جائزة فاس للثقافة والإعلام لسنة 1976، وجائزة المغرب للكتاب لسنة 1977. عضو اتحاد كتاب المغرب واتحاد الكتاب العرب، وجمعيات ثقافية منحته عضويتها الشرفية، وأخرى منحته شهادات تقديرية. تدخل في عدة ندوات عقدت داخل المغرب وخارجه. شارك مؤخرا في أشغال “جائزة سلطان العويس” بالإمارات العربية المتحدة، كعضو محكم في الجائزة، إلى جانب جابر عصفور وخلدون الشمعة وفيصل دراج ونقاد عرب آخرين. صاحب أكبر كم روائي وقصصي نشره مغربي لحد الآن، فهو يواظب على الكتابة والنشر منذ أربعين عاما. نشر أول نص قصصي له سنة 1966 بالملحق الثقافي لجريدة الأنباء المغربية، بعنوان مربك هو: “تموء كالقطط”، ليواصل نشر قصصه القصيرة في جريدة “العلم”، ولينشر قصصه في المجلات العربية كالأقلام العراقية، والآداب البيروتية، وفي منابر عربية أخرى. كتب الرواية والقصة القصيرة والمسرحية وقصص الأطفال وسيناريوهات بعض الأفلام والنقد الأدبي. نشر ثمانية عشر رواية لدى دور النشر في المغرب والجزائر وسورية ومصر لبنان، قبل أن تَضُمَّ أغلبَها ثلاثُ مجلدات صادرة عن وزارة الثقافة المغربية، تقع في 1785 صفحة، إضافة إلى روايته الثلاثية: “زهرة الآس” التي صدرت في ثلاثة أجزاء، والتي لم تُتَضمن في أعماله الكاملة، وإلى رواياته الصادرة بعد صدور أعماله الكاملة، ما ينتظر الصدور من أعمال. في مجال القصة القصيرة كان قد نشر إضمامته القصصية الأولى سنة 1975، بعنوان: “أوصال الشجر المقطوعة”، وكان أن قَدَّمَ لها الناقد محمد برادة، ثم توالى صدور إضماماته القصصية، فصارت تسع مجموعات، صدرت في مجلدين، يقعان في 753 صفحة، يحتويان على 134 قصة قصيرة . صدر له أزيد من عشرين قصة للأطفال، وتفوق كتبه المنشورة، الخمسين كتابا. تحولت روايته “رحيل البحر” إلى شريط أنجزته التلفزة المغربية. قررت وزارة التربية الوطنية روايته “المَبَاءَة” على تلاميذ الجذع المشترك ثانوي. كرمته عدة كليات وجمعيات ثقافية، وعقدت عدة ندوات حول أعماله. كرس حياته للكتابة، وهو يقضي ليله ونهاره يكتب ويمحو ما كتب، باحثا عن اقتناص لحظة إبداعية من خلالها يبني عالما أو قيم معنى أو يشذب حديقة نص، أو يخاتل ما يسميه إستراتيجية الأشكال.
قال الناقد المغربي نجيب العوفي إن “محمد عزالدين التازي اسمٌ من عيار ثقيل وعريق لكاتب ماراطوني النفَس والقلم، نيّفت تآليفه الأدبية على الخمسين، وهو رقم قياسي لم يشترعه في ما أزعم سوى قلة قليلة من الكتّاب المغاربة، أستحضر منهم عبد الكريم غلاب ومبارك ربيع وأحمد المديني”.
وأشار العوفي، في مقال له بعنوان “محمد عزالدين التازي..صدَى السنين الحاكي”، إلى أن “التازي، وهو سليلُ الحداثة وغذيّها، اختار الكتابة في أخطر وأشهر شكلين أدبيين حداثيين، وهما القصة القصيرة والرواية، ومن حيث كان الشعر يَطْرِز لغته واستعاراته”.
وبعدما تطرق نجيب العوفي للجوانب الإبداعية لأعمال محمد عز الدين التازي، خاطبه قائلا: “لصديقي التاريخي أقول: كانت الكتابة باستمرار رفيقتك الأثيرة الأميرة في الحياة، وهذه الكتابة بالتحديد هي التي ستمنح اسمك عشبة الخلود المنشود، وذلك هو مجد الكتابة والكتّاب”.
هذا نص المقال:
اسمٌ من عيار ثقيل وعريق لكاتب ماراطوني النفَس والقلم، نيّفت تآليفه الأدبية على الخمسين؛ وهو رقم قياسي لم يشترعه في ما أزعم سوى قلة قليلة من الكتّاب المغاربة، أستحضر منهم عبد الكريم غلاب ومبارك ربيع وأحمد المديني…
وهذا الكمّ الزاخر – الزاهر من العطاء الأدبي ممْهورٌ بجودة أدبية ولغوية وبنائية راقية في الكتابة؛ فهو إذن كمّ معضّد بالكيْف، بتجويد وتجديد الكتابة.
ونادرا ما تستقيم هذه المعادلة الصعبة الحَرون لدى الكتاب والمبدعين.
هذا ميْسم أول لهذا الكاتب الوازن – المتميّز العابرِ للأجيال والمُبحر في أرخبيل الكتابة والإبداع منذ أكثر من ستة عقود سمان، لا يعتريه كلال ولا ينضُب له معين.
الميسم الثاني أنه مُبحر في أكثر من جزيرة أدبية في هذا الأرخبيل الفسيح، قاصّا وروائيا وناقدا – باحثا وكاتبا لأدب الطفولة، وهو الطفل الدائم الساكن في عمقه وطويّته.
وكل كاتب أصيل، يسكنه طفل مشاغب طليق.
وفي كل هذه المدارات الأدبية التي انتجعها التازي، كان سهمه نافذا لا يخطئ ضالته.
ومثل هذا الكمّ الوفير – النمير من الإنتاج الأدبي عطفا دليل على أن الكتابة هي الشغل الشاغل للتازي وهمّه الجميل الذي يلازمه آناء الليل وأطراف النهار؛ وكأن الرجل ناسكٌ في محراب الكتابة.
يقول في أحد حواراته:
(أتنفس الهواء أثناء الكتابة وأعيش الحياة، وأشعر بالضياع في اليوم الذي لا أكتب فيه، ما يجعلني أكتب كل يوم. والكتابة بالنسبة لي ليست مجرد تعبير عن قضية ما، بل هي جمالية الحياة التي تجعل من الأدب أدبا، لأن معالجة الأديب للقضايا ليست كمعالجة عالم الاجتماع أو الاقتصاد أو المحلل السياسي، فالاختلاف يكمن في أننا نُضفي طابع الجمالية على اللغة من خلال البناء الروائي.. ) دارين شبير/ نت – جريدة البيان الإماراتية – 11 – 7 – 2014
هكذا تغدو الكتابة عند التازي قسيما للحياة، أو بالأحرى حياة في الحياة، حياة مضاعفة.
إنه على غرار شيخه وخِلّه غابرييل غارسيا ماركيز يحيا ليكتب ويسرد، ويكتب ويسرد ليحيا (vivir para contarla ).
وقد اختار التازي، وهو سليلُ الحداثة وغذيّها، الكتابة في أخطر وأشهر شكلين أدبيين حداثيين، وهما القصة القصيرة والرواية، من حيث كان الشعر يَطْرِز لغته واستعاراته.
اختار القصة القصيرة باعتبارها كبسولة العصر الإبداعية، والشكلَ المطابق للهوامش الاجتماعية المشتتة والمتوترة المنعزلة، حسب فرانك أوكونور وعبد الله العروي؛ واختار الرواية، باعتبارها ملحمة العصر والأزمنة الحديثة، حسب هيجل ولوكاش، ولأنها توسّع فُسحة الكتابة والبوح والغوص في ما سطرته القصة القصيرة إيماء وتلميحا.
وقد بدأ التازي مساره الأدبي قاصّا نابها، قبل أن يُدير الدفّة صوب الرواية، بعد أن امتلأ الخزّان وطفح كيلُ الوقت.
وأذكرُ أن أول قصة طلع بها على الناس كانت بعنوان “تموء كالقطط” سنة 1966 بالملحق الثقافي لجريدة “الأنباء”.
وتستثير هذه الإشارة شجونا نوستالجية خاصة عندي؛ فقد كانت أول قصة أنشرها بعنوان “نهاية حب” سنة 1963 بجريدة “صوت المغرب”.
والمفارقة أن تكون بداية ناشئ قرينة بهذا العنوان الرومانسي (نهاية حب).
ومن حيث واصل التازي وفاءه لمشروعه السردي الرائع، خذلتُ مشروعي السردي الوليد وعُوقبتُ بنكْد النقد. وكل مُيسّر لما خُلق له.
وقد كانت قصة “تموء كالقطط” للتازي بمثابة القطر الذي يسبق الغيث، حيث تهاطلت نصوصه القصصية على الملاحق الثقافية لكبريات الجرائد والمجلات المغربية والعربية.
فهو إذن كاتب مُخضرم عابر للحدود والأجيال، متحدّر من ضفاف الستينيات من القرن الماضي، ومحسوب تحقيبيا periodisation على جيل السبعينيات الذي أشرُف بالانتماء إليه.
وللأمانة التاريخية أقول إن التازي كان من أسبق القاصين المغاربة إلى قرع جرس الحداثة القصصية وتجديد دماء القصة القصيرة المغربية، ومجموعته القصصية الأولى الرائدة (أوصال الشجر المقطوعة) الصادرة سنة 1975، والمتضمّنة لنصوص ستينية مبكّرة، شاهدة على ذلك؛ علما أن الطفرات والقطائع الأدبية ليست من توقيع فرد بذاته، ولكن من توقيع جيل أو مرحلة برمّتها. والاستثناء الوارد هنا أن (من فاتك بليلة فاتك بحيلة). والإبداع الأدبي كما هو معلوم حِيل وابتداع وابتكار و”صناعة”، وفق عبارة ابن سلا م الجمحي.
ولأن الرواية مرآة تجوب الشوارع، كما قال ستاندال، فقد جعلها التازي مِطلّا مركزيا بانوراميا لهمومه الفكرية والوجودية والإبداعية؛ جعلها مرآة تجوب شوارع الحياة والذات ومدائن الأعماق، فكان عبر رواياته صدَى السنين الحاكي. كانت رواياته تراجيعَ إبداعية جميلة وشجية للسنين الحوافل التي عاشها وسبر أغوارها وأسرارها، وفتوحاتها وانكساراتها.
وما أكثر وأشرسَ الانكسارات التي توالت على المشهد العربي، بعد أن دخل مكرُ التاريخ على الخط، وقلب المشهد رأسا على عقب.
تلك هي مزرعة الألغام الروائية التي جاب عبرها التازي وأضرابُه من الروائيين المغاربة والعرب بعامة.
وجديرٌ بالتنويه أن التازي لمع وطلع أدبيا في مرحلة ساخنة كان الالتزام والواقعية من عناوينها الرئيسة. وكان التازي بدَهيا، منحازا لقيم جيله التنويرية والتغييرية؛ لكنه كان منحازا أدبيا وإبداعيا في المقابل لجمالية الحداثة وشعريتها الاختراقية، فلم يكن سواء في قصصه أو رواياته حكّاء واقعيا فظّا عالي الصوت، بل كان فنانا رهيف الحس واللغة، شغلُه الشاغل الكتابة في أعلى درجات توهّجها وبهجتها.
ومن ثمّ، حين نقرأ التازي قصصيا وروائيا نقرأ من جهة واقعنا وحمَأنا المسنون منشورا فوق السطور وخلفها.
كما نقرأ من جهة ثانية وأساسية مُتعة الكتابة ومباهجها، وفق تعبير رولان بارت.
هل تُراني أجزلتُ المديح – المُريح لمحمد عزالدين التازي؟
ما أظن بتاتا أن هذه الملحوظة واردة في حضرة كاتب كبير من عيار محمد عز الدين التازي سليل فاس (زهرة الآس / عنوان ثلاثية روائية له)، الذي صرف زهرة عمره في خدمة الأدب المغربي والعربي، في أزمنة عربية وعالمية كالحة – جائحة، لا تبقي ولا تذر، لوّاحة للبشر.
ولصديقي التاريخي أقول / كانت الكتابة باستمرار رفيقتك الأثيرة الأميرة في الحياة.
هذه الكتابة بالتحديد هي التي ستمنح اسمك عشبة الخلود المنشود.
ذلك هو مجد الكتابة والكتّاب.
مشيناها خُطى كُتبت علينا / ومن كتبت عليه خطى مشاها
لك العمر كله.